الذكاء الاصطناعي يتفوق على الأطباء- ثورة في التشخيص الطبي
المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.18.2025

أظهرت دراسة معمقة أجرتها كل من كليتي الطب المرموقتين في جامعة هارفارد وجامعة ستانفورد، تفوق نموذج الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي o1"، في نسخته التجريبية "بريفيو 01" المقدمة من شركة "أوبن إيه آي"، على الأطباء البشريين في ميدان تشخيص الحالات الطبية المعقدة والمستعصية. فقد حقق هذا النموذج نتائج باهرة، مسجلاً درجات عالية في 78 حالة من أصل 80 حالة تم اختبارها، في حين لم يتمكن الأطباء المتمرسون ذوي الخبرة الواسعة إلا من تحقيق درجات مماثلة في 28 حالة فقط، بينما لم يتمكن الأطباء المتدربون حديثًا إلا من الحصول على درجات عالية في 16 حالة فحسب.
وفي سياق متصل، كشفت دراسة أخرى فاعلية روبوت الدردشة المتخصص في المجال الطبي، والذي يحمل اسم "أرتيكيوليت ميديكال إنتيليجانس إكسبلورر" (AMIE)، في إجراء مقابلات الفحص والتشخيص الطبي بكفاءة عالية. وقد أظهرت النتائج تفوقًا ملحوظًا لهذا الروبوت على الأطباء في هذا المجال، بل وتجاوزهم في فهم مشاعر المرضى والتفاعل معها بإيجابية. فقد تفوق روبوت الدردشة AMIE على الأطباء في 24 معيارًا من أصل 26 معيارًا لجودة المحادثة، بما في ذلك إظهار التعاطف والتفهم والاحترام للمرضى.
وفي تجربة أخرى ذات دلالة، شملت مقارنة أداء 50 طبيبًا بشريًا مع روبوت الدردشة "شات جي بي تي"، تبين أن الروبوت قد تفوق على الأطباء في دقة تشخيص الأمراض، حيث حقق نسبة نجاح بلغت 90%. أما الأطباء الذين استعانوا بالروبوت في عملية التشخيص، فقد حققوا نسبة نجاح بلغت 76%، في حين لم تتجاوز نسبة نجاح الأطباء الذين اعتمدوا على أنفسهم فقط في التشخيص 74%.
علاوة على ذلك، انتشرت في وسائل الإعلام العالمية قصص مؤثرة لأفراد عجز الأطباء عن تشخيص حالاتهم المرضية المستعصية، أو لم يتمكنوا من تحمل التكاليف الباهظة للعلاج الطبي. ولكن عندما قام هؤلاء الأفراد بتقديم صور الأشعة والتحاليل الطبية والأعراض المرضية للذكاء الاصطناعي، تمكن الذكاء الاصطناعي من تشخيص أمراضهم بدقة متناهية.
وبالنظر إلى هذه الدراسات التي تظهر تفوقًا ملحوظًا للذكاء الاصطناعي في تشخيص الحالات الطبية، فإنه من الضروري أن نتساءل عما إذا كان من حق المريض أن يُفرض على الأطباء عرض تشخيصاتهم على الذكاء الاصطناعي، بحيث يصبح ذلك جزءًا أساسيًا من الإجراءات الروتينية المتبعة، مثل التحاليل الطبية والأشعة السينية.
إن هذا الإجراء لن يعني بأي حال من الأحوال إحلال الذكاء الاصطناعي محل الطبيب البشري، بل سيجعل منه أداة مساندة ومساعدة للطبيب في عملية التشخيص الطبي، خاصة في الحالات المعقدة والمستعصية. ومن شأن ذلك أن ينقذ حياة الكثيرين ويقلل بشكل كبير من التكاليف الباهظة الناجمة عن التشخيص الطبي الخاطئ ومضاعفاته الوخيمة.
وكما هو الحال مع كل جديد، فمن المتوقع أن تكون هناك مقاومة أولية لفرض استشارة الذكاء الاصطناعي على الأطباء. ولكن مع مرور الوقت والاعتياد على هذه التقنية، ستصبح مجرد أداة إضافية تساعد على التشخيص الدقيق، تمامًا مثل الأشعة السينية والتحاليل الطبية. وسيكون لهذا الأمر أهمية خاصة في مرحلة التدريب الطبي، حيث أظهرت الدراسات ضعفًا واضحًا في قدرة الأطباء المتدربين على التشخيص الصحيح للحالات المعقدة.
بل إن الذكاء الاصطناعي قد يغني عن الحاجة إلى العلاج في الخارج وتكاليفه الباهظة، حيث يوفر قدرة على التشخيص تفوق قدرة الأطباء الغربيين المتمرسين. وتكتسب هذه الدراسات أهمية بالغة في مواجهة التيار المتصاعد الذي يهدف إلى التخويف من الذكاء الاصطناعي واعتباره تهديدًا خطيرًا للبشرية، وهو التيار الذي تبناه حتى بعض رواد تطوير الذكاء الاصطناعي أنفسهم.
في المقابل، تؤكد جميع الدراسات التي تناولت أوجه توظيف الذكاء الاصطناعي أنه يمثل أفضل أداة مساعدة للبشر، وأنه يتفوق عليهم في نواحٍ عديدة. وأي مخاطر محتملة له لا تتعدى مخاوف البشر من أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء منهم بشكل يخرجه عن سيطرتهم، ويؤدي إلى استبدال البشر في جميع المجالات بالذكاء الاصطناعي.
ولكن من يراجع تاريخ التكنولوجيا على مر العصور، يجد أن جميع أنواع التكنولوجيا قد قوبلت في البداية بتيار تخويفي مماثل، يهدف إلى إثارة الرعب في قلوب الجمهور من مخاطرها المحتملة. ولو انصاع البشر لهذا التيار المتخوف، لما كانت هناك حتى كهرباء.
ولذا، فإنه من الأفضل بدلًا من الحديث عن الأخطار المحتملة للذكاء الاصطناعي، التركيز على دراسة أوجه النفع التي يمكن أن يجلبها الذكاء الاصطناعي للبشرية. فعاجلًا أم آجلًا، سيصبح الذكاء الاصطناعي هو الفاعل الرئيسي في جميع المجالات، وخاصة في مجالات الطب والتعليم والصناعة. ومن يحاول مقاومة هذا التيار الجارف، سيضيع على نفسه فرصًا وإمكانيات لا حصر لها يوفرها الذكاء الاصطناعي، ولن يتمكن بأي حال من الأحوال من إيقاف تقدمه. فالجني قد خرج من القمقم، ولا يمكن إعادته إليه مجددًا.
